اخلاص عوض يسن تكتب :مسارات الوطن: خطاب الكراهية والعنصرية.. ألغام في طريق التعايش السلمي

اخلاص عوض يسن تكتب :مسارات الوطن: خطاب الكراهية والعنصرية.. ألغام في طريق التعايش السلمي

 

✍️إخلاص عوض يسن 

ekhlasawed@gmail.com 

في أزمنة النزاعات والأزمات، يصبح الخطاب الإعلامي أداة حاسمة إما للبناء أو للهدم، لكن في السودان اليوم، يجد خطاب الكراهية والعنصرية طريقه إلى المنصات الإعلامية ومنابر التواصل الاجتماعي، مهددًا النسيج الاجتماعي ومعرقلًا جهود التعايش السلمي. فكيف تسللت هذه الظاهرة إلى مجتمع عُرف بتنوعه وتسامحه؟ وما دور الإعلام والمجتمع المدني في مواجهتها؟

جذور خطاب الكراهية والعنصرية

خطاب الكراهية ليس وليد الحرب الحالية، بل هو نتاج تراكمات تاريخية من التهميش والصراعات السياسية والاجتماعية، حيث استُخدمت اللغة وسيلة للإقصاء والتفرقة بدلًا من أن تكون جسرًا للتواصل. ومع تصاعد الصراعات، أصبحت الهوية العرقية والانتماء الجغرافي أدوات تُستخدم في تأجيج الخلافات، مما زاد من تعميق الانقسامات بين أبناء الوطن الواحد.

في الفضاء الرقمي، يزداد الأمر سوءًا. تغذي بعض المنصات خطاب الكراهية من خلال نشر الشائعات والمعلومات المضللة، دون إدراك أن هذه الكلمات ليست مجرد حروف عابرة، بل قد تكون شرارة تحرق مجتمعات بأكملها. ووفقًا لليونسكو، فإن تصاعد خطاب الكراهية في الإعلام يساهم في تغذية النزاعات واستدامتها، مما يجعل مكافحته مسؤولية أخلاقية ومهنية.

التصدي لخطاب الكراهية.. من أين نبدأ؟

لا يمكن مواجهة خطاب الكراهية بالرقابة فقط، بل يحتاج الأمر إلى نهج شامل يبدأ بالتربية الإعلامية، حيث يجب أن يتعلم الصحفيون والمواطنون على حد سواء كيفية التمييز بين الخطاب المحايد والخطاب الذي يحرض على العنف والكراهية. كذلك، يتطلب الأمر تشريعات واضحة تعاقب على نشر الكراهية دون المساس بحرية التعبير المسؤولة.

أما الإعلام، فعليه أن يكون جزءًا من الحل، لا المشكلة. الصحافة المسؤولة مطالبة اليوم بإعادة صياغة سردياتها بما يعزز التعايش السلمي، ويركز على المشتركات بدلًا من الفروقات. وهنا يأتي دور صحافة السلام التي تدعو إلى البحث عن حلول بناءة بدلًا من تأجيج الصراع.

“المبادرة الوطنية للتعايش السلمي”.. خطوة في الاتجاه الصحيح

ضمن الجهود الرامية إلى مكافحة خطاب الكراهية وتعزيز ثقافة التعايش، أطلقت الإعلامية شادية عطا المنان “المبادرة الوطنية للتعايش السلمي”، التي تهدف إلى تعزيز قيم التسامح ونبذ العنصرية عبر الإعلام ومنابر الحوار المجتمعي. وتسعى المبادرة إلى توحيد الخطاب الوطني، وإشراك مختلف الفئات، من قادة الرأي وصناع القرار إلى الشباب والإعلاميين، في بناء خطاب إيجابي يدعو إلى الوحدة الوطنية.

تعتمد المبادرة على عدة مسارات، أبرزها:

التوعية الإعلامية عبر إنتاج محتوى يعزز ثقافة التعايش.

إقامة ورش عمل حول كيفية التصدي لخطاب الكراهية.

تنظيم برامج تدريبية للإعلاميين والصحفيين حول المعايير الأخلاقية في تناول قضايا النزاع.

الترويج لسرديات بديلة قائمة على المصالحة والتنوع الثقافي كقيمة مضافة، وليس عاملًا للتفرقة.

“دعم وسند المبادرة الوطنية للتعايش السلمي”

انطلاقًا من أهمية هذه المبادرة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي ومواجهة خطاب الكراهية، ندعو جميع الجهات الفاعلة، من إعلاميين، ومنظمات المجتمع المدني، وقادة الرأي، والشباب، وصناع القرار، إلى دعم المبادرة الوطنية للتعايش السلمي وجعلها مشروعًا وطنيًا يعم كل أرجاء السودان.

إننا نؤمن بأن هذه المبادرة يمكن أن تكون نواة لحركة وطنية واسعة تسهم في رأب الصدع الاجتماعي وإعادة بناء السودان على أسس السلام والعدالة والمواطنة المتساوية. فليكن دعمنا لهذه المبادرة التزامًا جماعيًا نحو مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا.

اترك تعليق

يجب ان تسجل الدخول لكي تتمكن من إضافة التعليقات

الاخبار العاجلة