محمدعزالدين-مصرالنهاردةtv تأتى ثورة 23 يوليو 1952 العظيمة، إلا وتأتى معها دائما المقارنة بين حال مصر قبلها وحال مصر بعدها، وكثيرا ما يجد هواة تزوير التاريخ ملاذهم خلال هذه الذكرى، فيبدأون فى سرد أوهام وخيالات عما قبل الثورة من حرية وليبرالية ووضع اقتصادى واجتماعى،
وأن مصر كانت أفضل حالا مما بعد الثورة، وكل ذلك من أجل طمس حقائق وإنجازات يعرفها كل من عاش على أرض مصر منذ الثورة وحتى الآن، بل إن ثورة يوليو العظيمة لا يزال العالم يتحدث عنها حتى الآن، ولا تزال تُقام ذكراها فى العديد من البلدان العربية والإفريقية، حيث كان نجاح هذه الثورة فاتحة لتحرر هذه الشعوب من الظلام والفقر والاستعمار.
وهنا نفند بعضا من خيالات وأوهام البعض حول أوضاع مصر ما قبل الثورة، ونسرد ما حققته من إنجازات ونجاحات، يحدثنا عنها الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث مدير مركز بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية بجامعة عين شمس، فيقول: إن ظاهرة الحنين إلى الماضى، والتغنى بعصر ما قبل ثورة يوليو «النوستالجيا» أو الحنين إلى الماضى، مرض يصيب الشعوب بين الحين والآخر، خصوصا فى المراحل الانتقالية التى تنتقل فيها الدولة من مرحلة إلى أخرى، كما أنه يصيب الأفراد أيضا حين يمرون بمرحلة تشوش وفشل، وبالتالى يبدأ الحنين إلى الماضى، وهذا الحنين دائما ما تستغله قوى الثورة المضادة، وتبدأ فى تزييف الماضى وتزيينه، وذلك بمكر وخبث، فتتحدث عن عصر ذهبى قبل ثورة 23 يوليو ليس موجودا إلا فى خيالها فقط.
والحقيقة -كما يشير د. جمال- أن هذا الكلام خاطىء تماما، فمصر لم تعش عصرا ذهبيا قبل ثورة 23 يوليو 1952، فكيف يكون عصرا ذهبيا ومصر تعيش تحت سلطة احتلال بريطانى منذ عام 1882؟، ولم تستطع الحركة الوطنية بظهور مصطفى كامل ومحمد فريد وغيرهما من شبابها أن تتحرر، ولم يحررها إلا الضباط الأحرار، كما أن من يتحدث عن الديمقراطية والليبرالية قبل 1952 يتحدث عن أوهام ليست حقيقية، إذ كيف تكون هناك ليبرالية وأنت تعانى من سلطة احتلال. تقوم باختيار رؤساء وزراء حكومتك؟، أضف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، وسيطرة كبار ملاك الأراضى الزراعية والرأسمالية المصرية، وإفقار الغالبية العظمى من شعب مصر، وبالتالى فإن فكرة الحنين إلى الماضى فكرة خاطئة، كذلك أيضا مسألة تجميل صورة الملك فاروق، وكلنا يعرف أن أكاذيب عديدة بدأت تنتشر خلال الآونة الأخيرة لطمس إنجازات 23 يوليو.
وأضاف د.شقرة أن ما سبق عرضه برر قيام ثورة 23 يوليو، وأن القوى السياسية تطلعت إلى الجيش لينقذها من استبداد الملك ومن سلطة الاحتلال، وكانت هذه القوى تتوجس من جماعة الإخوان المسلمين، وحتى الإخوان أنفسهم تطلعوا إلى الضباط الأحرار ليحرروهم من هذا الاستبداد والظلم، وكذلك كان دافع الضباط هو رفع الظلم عن أهاليهم، وخوفهم من سقوط الدولة، وانتشار الفساد، وتردى أوضاع المجتمع، وقد اشتق عبدالناصر المبادىء الستة للثورة من المطالب المجتمعية التى كانت تطرح فى الشارع المصرى، وكانت هذه المبادىء تدور حول القضاء على الاستعمار وأعوانه وطرد المستعمر البريطانى، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وقد عانى أجدادنا فى قرى مصر من أوضاع مزرية هم والعمال فى المدن بسبب هذه السيطرة، وكان وضعا طبقيا شديد القسوة، وهذا الوضع – بشهادة دراسات أجنبية كثيرة- ما كان ليسمح لأبناء الطبقة الوسطى مهما تلقوا من تعليم أن يتحركوا إلى أعلى أبدا، لكن عبدالناصر ورفاقه من الضباط الأحرار حققوا انتصارا حقيقيا فيما يسمى بتحقيق حراك اجتماعى صاعد، وهو إنجاز باق حتى الآن، فمن حمل لواء الحركات السياسية بعد ذلك كانوا من أبناء ثورة 23 يوليو، ومن حاربوا وقت الاستنزاف وحرب أكتوبر هم أبناء 23 يوليو.
ومن إنجازات ثورة 23 يوليو -يضيف د. أبو شقرة- بناء جيش وطنى قوى، وهذا الجيش هو الذى حمى مصر ويحميها حتى الآن، وهو جيش مشهود له فى كل الأكاديميات العسكرية، وهو الذى يحمى مصر الآن من داعش ومن الإرهاب، كما نجحت ثورة يوليو فى كسر احتكار السلاح، وكذلك جاءت ثورة يوليو لتنتشل مصر من حالة التخلف الذى كانت تعيش فيه، ولعل أبرز مثال على ذلك كان معالجة مشروع الحفاء فى مصر، وكانت الأميرات يسعين لمعالجة هذه المشكلة بتوزيع الأحذية على المواطنين، فيما سُمى بحملات الأميرات وقتها، أيضا فإن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التى كانت قائمة قبل 1952 كانت نتيجة للاعتماد على قطاع اقتصادى وحيد وهو القطاع الزراعى، ومحصول أوحد وهو محصول القطن، ولذا عالجت الثورة ببناء القطاع الصناعى جنبا إلى جنب القطاع الزراعى، والكل يشهد على ذلك برغم حملات التشويه المستمرة حتى الآن، ومن أبرزها آلاف المصانع التى تم إنشاؤها عقب الثورة، ومنها الحديد والصلب بحلوان، والألومنيوم بنجع حمادى والمصانع الحربية وغيرها فيما يعرف بخطط التنمية.
بدوره يرى حسين عبدالرازق، عضو المكتب السياسى لحزب التجمع، أن الخلاف حول ثورة 23 يوليو سيظل قائما ما استمرت الحياة فى مصر، وذلك لسبب بسيط جدا هو أن الثورة كانت منحازة لطبقة الفلاحين والعمال والبسطاء والجزء الغالب من الطبقة الوسطى، وكانت منحازة ضد الإقطاع، وما أسمته رأس المال المستغل، وستظل هناك شريحة تعارض هذه الإنجازات، بينما هناك شريحة أخرى وهى الأكبر ترى أن إنجازات 23 يوليو يلمسها كل قاص ودان، وعلى رأسها بالطبع هزيمة الاستعمار التقليدى والاستعمار الجديد، الذى كانت تمثله الولايات المتحدة الأمريكية، وأهم من ذلك أنها حررت الإرداة المصرية، وأصبح للطبقات الشعبية دور فى الحياة السياسية، حيث كانت تدور فى نطاق ضيق جدا يقتصر على الإقطاعيين والرأسماليين.
ويضيف عبدالرازق أن من إنجازات ثورة 23 يوليو، القضايا الاجتماعية، ولا نرى حزبا الآن إلا ويتحدث حول العدالة الاجتماعية، حتى وإن اختلف المفهوم حولها، وهو جزء أساسى مما فرضته الثورة، وحتى التعليم، حيث كان من أهم إنجازاتها هو تحويل شعار طه حسين «التعليم كالماء والهواء» إلى حقيقة، ومتوافر لجميع الطبقات، فضلا على إنجازات موجودة حتى اللحظة، ومن بينها السد العالى، والصراع الكبير مع الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولى، وإنقاذ مصر من مجاعة كما حدث فى إفريقيا وقتها، وكذلك الإنشاءات العديدة التى تمت مثل بناء استاد القاهرة ومبنى ماسبيرو، وغيرها الكثير والكثير، لا يستطيع أى من كان أن ينكر ذلك أو يتجاهله.