مسارات الوطن: جمعة النصر وتحرير القصر

مسارات الوطن: جمعة النصر وتحرير القصر

 

✍️إخلاص عوض يسن 

ekhlasawed@gmail.com 

الجمعة، 21 مارس 2025، يوم سيحفره التاريخ في سجل البطولات السودانية، يومٌ أشرقت فيه شمس النصر من قلب الخرطوم، حين استعادت قواتنا المسلحة القصر الجمهوري، بعد معارك ضارية امتدت قرابة عامين ضد المليشيات المتمردة. هذه الجمعة لم تكن يومًا عاديًا، بل كانت “جمعة النصر والقصر”، جمعةُ ردِّ الاعتبار، وإعادة الهيبة، واستعادة السيادة، يومٌ استُعيد فيه رمز الدولة، رغم كيد المتآمرين وعنفوان الحرب.

 

القصر… عودة السيادة إلى عرينها

 

تحرير القصر الجمهوري لم يكن مجرد استعادة لمبنى، بل كان استعادة لهيبة الدولة، وإعلانًا بأن السودان لا يُختطف، وأن مؤسساته ستظل حصينة بسواعد رجاله الأوفياء. لم تكن هذه المعركة إلا تتويجًا لصمود الجيش، وحكمة قيادته، والتفاف الشعب حوله، وهو يرفض أن يُحكم بقوة السلاح وعصابات المرتزقة.

 

هذا النصر يبعث الأمل في كل ربوع السودان، بأن التحرير قادم، وأن الاستقرار سيعود، وأن من ظنوا أن الوطن سيتشظى تحت ضرباتهم قد خاب فألهم.

 

شهداء النصر.. أرواحٌ تُنير الدرب

 

لكن الفرح ممزوج بالحزن، فقد سُقي هذا النصر بدماء زكية، دماء رجالٍ آمنوا بأن الأرض لا تُسترد إلا بالتضحية. نترحم على شهداء قواتنا المسلحة وجميع التشكيلات النظامية التي شاركت في المعركة، من الجيش إلى الشرطة والاستخبارات وقوات الاحتياط، فكلهم كانوا في خندق الوطن، يقاتلون لأجل أن يبقى السودان واحدًا، عزيزًا، مستقلًا.

 

الإعلام… صوت الحقيقة المستهدف

 

وفي خضم هذه اللحظات الفارقة، لا يمكن أن ننسى شهداء الإعلام، الذين واجهوا الموت لنقل الحقيقة. لقد استُهدف الصحفيون والمراسلون والمصورون بشكل متعمد من قبل المليشيات المتمردة، في محاولة خسيسة لإسكات صوت السودان الحر.

 

وفي هذا اليوم، امتزجت دماء الإعلاميين بدماء الجنود، فاستشهد أربعة من فريق تلفزيون السودان أثناء تغطيتهم لاستعادة القصر الجمهوري، وهم:

 

فاروق أحمد محمد الزاهر – المخرج ومدير البرامج.

 

مجدي عبد الرحمن فخر الدين – المصور التلفزيوني.

 

وجيه جعفر محمد أونور – سائق عربة التغطية.

 

إبراهيم مضوي – المونتير والمخرج، الذي فارق الحياة لاحقًا متأثرًا بجراحه.

 

 

لم يكونوا وحدهم في قائمة الشرف، فقد سبقهم شهداء آخرون قُتلوا بدمٍ بارد، نذكر منهم:

 

الصحفي عصام الحاج، الذي استشهد أثناء تغطيته للاشتباكات في منطقة الشجرة العسكرية.

 

الصحفي معاوية عبد الرازق، الذي اغتالته قوات الدعم السريع مع ثلاثة من أفراد أسرته داخل منزله في الدروشاب.

 

الصحفي مكاوي محمد أحمد، الذي قُتل خلال هجوم المليشيات على ود النورة بولاية الجزيرة، حيث كان ينقل الحقيقة كما هي.

 

الصحفي عصام مرجان، الذي رفض إخلاء منزله في حي بيت المال، فدفع حياته ثمنًا لصموده.

 

 

الإعلام العسكري… دماء في ساحات الشرف

 

لم يقتصر الاستهداف على الصحفيين المدنيين، بل نال الإعلام العسكري نصيبه من التضحيات. فخلال تغطيتهما لمعركة تحرير القصر، استشهد:

 

المقدم الركن حسن إبراهيم – أحد أبرز ضباط الإعلام العسكري، صاحب الكلمة الصادقة والصورة الواضحة.

 

النقيب عماد الدين حسن – الذي آمن بأن الإعلام معركة لا تقل عن المعركة العسكرية، فخاضها حتى الشهادة.

 

 

رسالة إلى القتلة… وإلى الأحرار

 

إن استهداف الصحفيين والإعلاميين ليس مجرد جريمة، بل هو إعلان إفلاس أخلاقي وعسكري. المليشيات المتمردة تعلم جيدًا أن الكلمة الصادقة أشد وقعًا من الرصاص، ولذلك سعت لطمسها. لكن هيهات، فقد سطّر الإعلام السوداني أروع المواقف، ولم ينحنِ أمام آلة القمع، بل ظل صامدًا في ميادين المواجهة، يقف جنبًا إلى جنب مع جنود الوطن، ينقل الحقيقة مهما كان الثمن.

 

هؤلاء الشهداء لم يموتوا، بل كتبوا بدمائهم شهادة ميلاد سودان جديد، سودان العدالة والحرية، سودانٌ لا مكان فيه لمن يظن أن الصوت يُخرس بالرصاص، أو أن الإعلام يُسكت بالاغتيال.

 

اليوم، ونحن نحتفل بهذا النصر العظيم، نجدد العهد لشهدائنا الأبرار، بأن تضحياتهم لن تذهب سدى، وأن مسيرة التحرير ستكتمل، وأن الوطن سيبقى ما بقيت فيه دماء الأوفياء.

 

المجد والخلود لشهداء السودان… والخزي والعار للقتلة والمجرمين.

اترك تعليق

يجب ان تسجل الدخول لكي تتمكن من إضافة التعليقات