قد لا يحتاج الأمر إلى حسابات اقتصادية معقدة حتى نصل إلى نتيجة مفادها أن الدولار يواصل الارتفاع الجنونى، والجنيه يواصل الهبوط المخزى. وأيا كانت تنبؤات الخبراء الاقتصاديين فإن المشهد الحالى واضح، ولا يوجد أثر ملموس لأى توقعات بانخفاض مستقبلى فى سعر صرف الدولار.
السبب المباشر، والذى يعرفه القاصى والدانى، أن موارد مصر من النقد الاجنبى مصادرها ثلاثة: عائدات قناة السويس، تحويلات العاملين المصريين فى الخارج، والسياحة، وكل منها فى وضع متراجع. الركود التجارى العالمى، والحرب الدائرة فى اليمن أضعف عائدات قناة السويس، يضاف إلى ذلك عودة البعض إلى استخدام ما يعرف بطريق رأس الرجاء الصالح. أما تحويلات المصريين بالخارج فهى فى تذبذب نتيجة الوضع العام للدول التى يعملون فيها مثل ليبيا، وموسم السياحة الشتوى رحل بلا عوائد تذكر نتيجة حادث الطائرة الروسية، وسريان تحذير الدول المصدرة للسياحة مواطنيها من السفر إلى مصر.
كل ما تحدثت عنه «ريع» إن صح التعبير، الجانب الانتاجى فيه ضعيف أو محدود، ولو كانت هناك صادرات للخارج تقل قليلا أو تعادل الواردات لما شعرنا بهذه الأزمة، لكن دائما هناك فجوة متسعة بين الصادرات المحدودة والواردات الكثيفة، والتى تشمل كل شىء، وكأن هذا المجتمع لا ينتج، ويعيش على العالم الخارجى حتى فى الكماليات الترفيهية.
وطالما أن هناك سوقا موازية، فإن سعر صرف الدولار سيواصل الارتفاع، ويشتد عود مافيا العملة التى تتكسب من المضاربة، وتعطيش السوق، وتعمل على ارتفاعه بشكل جنونى بهدف جنى الأرباح، التى لم تكن يوما، ولن تكون سوى نتاج نشاط طفيلى غير منتج. ويؤدى الإعلان المستمر عن ارتفاع سعر صرف الدولار إلى لجوء الناس، ممن يمتلكون رفاهية ذلك، إلى الاحجام عن بيع ما لديهم أو شراء المزيد منه أملا فى ارتفاع سعره مستقبلا وسط شائعات بأن الدولار سوف يصل إلى خمسة عشر جنيها!، الأمر الذى يعمق الأزمة، ويجعل الشح فى سوق الدولار سببا مستمرا للمضاربة عليه، ورفع سعره. بالطبع الدولار شأنه شأن بقية السلع التى لها سوق رسمى وآخر موازٍ، من يكسب هو السوق السوداء، مافيا الاتجار فى العملة، والذى يخسر هو اقتصاد مجتمع، يترنح، ويزداد تأزما، مما يفرض أعباء على كاهل البسطاء، ومحدودى الدخل.
من السخف القول إن ارتفاع سعر صرف الدولار لن يرفع اسعار السلع فى مصر، لا أحد يصدق ذلك، قيمة الجنيه تنخفض، وقدرته الشرائية تقل، والاسعار ترتفع. وفى بعض الأحيان ترتفع الأسعار دون مبرر مفهوم، ولاسيما أن اتصالها بالنقد الأجنبى محدودا مثل مستلزمات البناء مثل الاسمنت وحصى السن، والرمل، وغيرها التى زادت فى الفترة الأخيرة زيادة غير مسبوقة دون مبرر مفهوم.
الحل فى ايقاف المضاربة، والسوق السوداء، وترك الدولار حرا طليقا، يخضع لآليات العرض والطلب، والذى قد يؤدى فى البداية إلى ارتفاع سعره، ثم ينخفض إذا اعتدل ميزان العرض والطلب، ويوقف الرغبة فى المضاربة، ويجعل الناس تقبل على التعامل مع البنوك بدلا من السوق السوداء طالما أن السعر متطابق أو متشابه، ويوفر خريطة اقتصادية واضحة يمكن من خلالها ضغط الواردات الكمالية، وتشجيع الصادرات بكل السبل حتى تصبح مصدرا أساسيا للعملة الصعبة.