بقلم د/ أحمد كلحي
عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي
في ضوء ما أُثير مؤخرًا في وسائل الإعلام بشأن ظهور أحد المصريين في مناسبة عامة خارج البلاد مرتديًا زيًا يُشبه زي النساء، في مشهد اعتبره البعض إهانه للعلم المصري الذي كان يضعه على جسده، وجب التوضيح القانوني لمسألة إسقاط الجنسية والتمييز بينها وبين سحبها.
للأسف، يخلط البعض ـ حتى من القانونيين ـ بين مفهومي “سحب الجنسية” و”إسقاطها”، رغم أن الفرق جوهري ولكل منهما طبيعة قانونية مختلفة.
(أولًا)ــ السحب: يقتصر فقط على حالات الجنسية المكتسبة، فهو جزاء لا ينال سوى الوطني الطارئ، أي الذي اكتسب جنسية الدولة في تاريخ لاحق للميلاد، ولا يطبق على من يحمل الجنسية المصرية الأصلية بالميلاد.
وقد حددت المادة (15) من قانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975 حالات السحب على أنه ” يجوز بقرار مسبب من مجلس الوزراء سحب الجنسية المصرية من كل من اكتسبها بطريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة خلال السنوات العشرة التالية لاكتسابه إياها، كما يجوز سحبها من كل من اكتسبها بالتجنس أو بالزواج وذلك خلال السنوات الخمسة التالية لاكتسابها إياها، وذلك في أيه حالة من الحالات الآتية:
1ـ إذا حكم عليه في مصر بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف.
2ـ إذا حكم عليه قضائيًا في جريمة من الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج أو من جهة الداخل.
3ـ إذا كان قد انقطع عن الإقامة في مصر مدة سنتين متتاليين وكان ذلك الانقطاع بلا عذر يقبله وزير الداخلية
(ثانيًا) ــ الإسقاط: فهو إجراء تقوم به الدولة لتجريد أحد مواطنيها من الجنسية المصرية، حتى وإن كان من الوطنيين الذين يحملونها بالميلاد، وذلك في حالات محددة نص عليها المشرع في المادة (16) من القانون سالف البيان، والتي تنص على:
” يجوز بقرار مسبب من مجلس الوزراء إسقاط الجنسية المصرية عن كل من يتمتع بها في أي من الحالات الآتية:
1ـ إذا حصل على جنسية أجنبية بالمخالفة لحكم المادة (10) من القانون.
2ـ إذا قبل الانخراط في الخدمة العسكرية لدولة أجنبية دون الحصول على ترخيص سابق من وزير الحربية، ولكن لا بد من تحقق شرطين رئيسيين:
الشرط الأول: أن يكون أدائه للخدمة العسكرية في الخارج قد تم بمحض إرادته، أما إذا كان قد أجبر عليها فلا يجوز إسقاط الجنسية المصرية عنه.
الشرط الثاني: عدم الحصول على إذن مسبق من وزير الحربية، بطلب يقدم إليه، ويكون لهذا الأخير السلطة التقديرية أن يقرر منح الإذن من عدمه.
وفي حالة عدم تحقق هذين الشرطين بأن كان المصري مجبرًا على أداء الخدمة العسكرية في الخارج أو حصل على ترخيص مسبق من وزير الحربية لا يجوز إطلاقا اسقاط الجنسية لهذا السبب لعدم تحقق شرطيه.
3ـ إذا كانت إقامته المعتاده خارج البلاد، وصدر بحقه حكم بالإدانه في جناية تضر بأمن الدولة من جهة الخارج.
4 ـ إذا شغل وظيفة لدى حكومة أجنبية أو إحدى الهيئات الدولية أو الأجنبية، وظل بها رغم صدور أمر مسبب من مجلس الوزراء بتركها، وكان الاستمرار فيها يهدد المصالح العليا للبلاد، وذلك بعد مرور ستة أشهر من تاريخ إخطاره بالأمر.
5 ـ إذا كانت إقامته المعتادة في الخارج، وانضم إلى هيئة أجنبية تهدف إلى تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي للدولة بالقوة أو بوسائل غير مشروعة.
وتجدر الملاحظة أنه يشترط لتحقق هذا السبب أن تكون الإقامة العادية للشخص في الخارج، فإذا كانت داخل مصر لا يجوز إسقاط الجنسية، ويكتفي بتطبيق العقوبات الجنائية المقررة قانونًا، لأن الهدف من النص ـ أو السياسة التشريعية ـ تكمن في مواجهة من يفلت من رقابة الدولة خارجيًا.
6 ـ إذا عمل لصالح دولة أو حكومة أجنبية في حالة حرب مع مصر، أو كانت العلاقات الدبلوماسية معها مقطوعة، وكان عمله يضر بمركز مصر الحربي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي، أو بأي مصلحة قومية أخرى.
7 ـ إذا اتصف في أي وقت بالصهيونية.
وتفسير الصهيونية في هذا السياق هو الانتماء العقائدي أو السياسي لفكرة “الصهيونية”، والتي تقوم على الإيمان بحق اليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وما يتبعها من مزاعم توسعية مثل “إسرائيل من النيل إلى الفرات” ويعد صهيونيًا كل من يؤيد هذه الأهداف بغض النظر عن ديانته، أي سواء كان يهوديًا أو مسلمًا أو مسيحيًا، فالصهيونية هنا تُفهم كمذهب سياسي لا كديانة.
وبناءَ على ما سبق، يتضح لنا بجلاء أن حالات إسقاط الجنسية محددة حصرًا في القانون، ولا يجوز التوسع فيها، أو إسقاط الجنسية لأسباب غير منصوص عليها، وإلا عُدَ القرار باطلاً لإنعدام سببه القانوني.
خلاصة القول: أن إسقاط الجنسية إجراء قانوني بالغ الخطورة، لا يجوز اتخاذه إلا في الحالات التي نص عليها القانون صراحةً، وبقرار مسبب من مجلس الوزراء، وأي قرار خارج هذا الإطار يُعد مخالفًا للدستور والقانون، ويشكل اعتداءً على أحد الحقوق الأساسية للمواطن.
وبالنظر إلى الواقعة محل الجدل، نجد أنها لا تنطبق على أي من الحالات السبع المنصوص عليها في القانون، فلا توجد جريمة ضد أمن الدولة من الخارج، ولا خدمة عسكرية أجنبية، ولا عمل لدى حكومة دولة معادية، ولا انضمام لهيئة تخريبية، ولا وجود لفكر صهيوني معلن، ولكن يخضع في ذلك للمساءلة الجنائية وفقًا لقانون العقوبات لإهانة العلم المصري كونه رمز من رموز الدولة المصرية دون المساس بحق الجنسية، حيث إنه من المهم في دولة القانون أن نفرق بين الغضب الشعبي ورد الفعل القانوني، وأن نحتكم دائما إلى النصوص القانوية لا إلى الأصوات الشعبية، فبغير ذلك يتحول القانون من أداه للعدالة إلى سيف مسلط على الرقاب.